
البصرة/ المدى
تسجل محافظة البصرة شهرياً من 600 إلى 700 إصابة بالسرطان منذ بداية العام الحالي وإلى الآن، فيما تجاوزت حالات الفشل الكلوي 20 ألف إلى 30 ألف حالة خلال العام الماضي حتى الآن، فيما تشير البيانات إلى أن آلاف المواطنين يعيشون تحت تهديد صحي مباشر مع تركز هذه الحالات في مناطق البصرة بين القرنة والزبير وخور الزبير وأبو الخصيب والتنومة.
ويقول رئيس لجنة الصحة بمجلس محافظة البصرة علي العبادي في تصريح صحفي تابعته (المدى)، إن “الأرقام المعلنة دقيقة وصحيحة وتعكس الواقع الصحي المزري في المحافظة”، مشيراً إلى أن “البصرة تعيش حالة من الفوضى الصحية بسبب الملوثات الغازية التي تصدر عن بعض الجهات النافذة في الحكومة وأنه لا توجد أي سلطة قادرة على فرض رقابة حقيقية لمنع المعامل من التشغيل”.
وأوضح العبادي أن “غالبية هذه الملوثات سببها شركات خاصة تابعة لشخصيات نافذة في الحكومة بالإضافة إلى شركات حكومية لم تتخذ التدابير الكافية للحد من الانبعاثات”، مؤكداً أن “استمرار تشغيل هذه المعامل دون مراقبة مباشرة يزيد من تفاقم الأمراض المزمنة والسرطانية بين السكان ويجعل المحافظة عرضة لأزمات صحية متلاحقة”.
وأضاف أن “الحكومة المحلية غير قادرة على إيقاف العمل في هذه المعامل بسبب النفوذ السياسي والروابط العميقة بين هذه الشركات وبعض المسؤولين ما جعل من البصرة بيئة ملوثة ومهددة بشكل مستمر ويجعل المواطنين يعيشون تحت ضغط صحي كبير”.
وأكد العبادي أن “لجنة الصحة تعمل حالياً على خطة عاجلة لمواجهة هذه الأزمة تتضمن إجراء مسح شامل لكل المصانع والمعامل في المحافظة لتقييم الانبعاثات والمخاطر الصحية المرتبطة بها وتطبيق معايير صارمة للمراقبة البيئية والتنسيق مع وزارة الصحة لتوفير وحدات طبية متنقلة للكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والسرطانية وإطلاق حملات توعية صحية مكثفة للسكان حول سبل الوقاية من التلوث والحد من المخاطر الصحية”.
وقال مهدي التميمي مدير مفوضية حقوق الإنسان إن “أسباب التلوث متعددة ومركبة وتشمل احتراق النفط الذي يخلق غيمة تلوث تمتد لمساحة تزيد عن 70 كيلومتراً مربعاً من الشمال مرورًا بمركز المدينة وحتى أطرافها”، إضافة إلى “التلوث القادم من غرب وجنوب غرب وجنوب المدينة ويحتوي على ملوثات مثل غاز البنزين والميثان وأول أكسيد وثاني أكسيد الكربون وأكسدة الكبريت إلى جانب مواد مشعة مثل الراديوم والمغنيسيوم واليورانيوم”.
وأكد التميمي أن “محافظة البصرة تشهد تفاقماً خطيراً للأزمات الصحية”، موضحاً أن “أعداد إصابات السرطان تصل إلى 600 – 700 حالة شهريًا فيما تجاوزت حالات الفشل الكلوي 20 ألف إلى 30 ألف حالة خلال العام الماضي حتى الآن مع توزيع هذه الحالات على مناطق البصرة بين القرنة والزبير وخور الزبير وأبو الخصيب والتنومة وغيرها”.
وأضاف التميمي أن “هذه الأرقام تعكس الواقع الصحي المزري في المحافظة وتوضح مدى تأثير التلوث البيئي المركب على صحة المواطنين”.
ولفت التميمي إلى أن “التلوث لا يقتصر على الهواء بل يشمل المياه التي تُلوث جرثومياً وكيميائياً بسبب الصرف الصحي والنفايات وحرق القمامة”، إضافة إلى “الملوثات الناتجة عن آلاف المولدات الكهربائية يومياً والتصحر وغياب الغطاء النباتي، مما يضاعف الأثر الصحي على سكان المحافظة”.
من جهته، أكد الخبير البيئي علاء هاشم البدران أن “البصرة تواجه مأزقاً بيئياً وصحياً شديد الخطورة نتيجة الانبعاثات الصناعية والغازية الصادرة عن المصانع والمعامل والشركات الاستثمارية في حقول النفطية”، مشيراً إلى أن “هذه المنشآت تعمل في ظل غياب الرقابة الفعلية وأن الملوثات التي تنبعث منها تؤثر في الهواء والماء والتربة مجتمعة مما يسهم بشكل مباشر في تفاقم معدلات الأمراض المزمنة والسرطانية بين السكان”.
وأضاف البدران أن “النفوذ السياسي لبعض الشركات الاستثمارية يعيق قدرة الجهات الحكومية على فرض إجراءات صارمة وفاعلة للحد من الانبعاثات”، مؤكّداً أن “استمرار تشغيل هذه المعامل والشركات دون رقابة حقيقية يجعل أي خطة صحية عاجلة أقل جدوى ويضاعف من حجم الكارثة البيئية ويضع صحة المواطنين تحت تهديد مستمر”.
وأظهرت الدراسات والقراءات الميدانية أن “مستويات التلوث في مركز مدينة البصرة وخاصة منطقة العشار وصلت في أحد الأيام نهاية عام 2025 إلى أكثر من 70 بالمئة من تركيز الملوثات في الهواء ما يعني أن مساحة المتر المكعب كانت مشبعة بغازات ضارة مثل الميثان ومركبات أخرى وهو ما يعكس خطورة الوضع البيئي بشكل واضح”، بحسب البدران.
وحذر البدران من أن “الأعوام المقبلة بين 2030 و2035 ستشهد زيادة في نسب الإصابات السرطانية بنسبة تتجاوز المئة بالمئة مقارنة بالوضع الحالي”، مشيراً إلى أن “البصرة اليوم تسجل آلاف الحالات السرطانية وهو مؤشر ينذر بتفاقم الأزمة الصحية بشكل غير مسبوق إذا استمر التلوث دون معالجة فعلية”.